“أمي اتعرت يا ريس“.. لم أجد تعليقًا أدق من هذا العنوان لمقالي، الذي أكتبه هذه المرة والحزن يعتصرني والألم يكتويني على الواقعة التي أقل ما توصف به المشينة والتي جرت أحداثها بإحدى محافظات الصعيد، وتحديدًا قرية “الكرم” بمحافظة المنيا، والتي ألقت بظلالها القاتمة على المشهد الاجتماعي ليس في محافظات الصعيد وحدها بل في المجتمع المصري بأسره .
حيث تجرد مئات الأشخاص من أدنى معاني الأخلاق والإنسانية وخرجوا في الثامنة من مساء الجمعة الماضية يحملون الأسلحة النارية وهاجموا عددًا من منازل الأقباط وقاموا بتجريد سيدة مسيحية مُسنة من ثيابها وطافوا بها الشوارع، وذلك على إثر تردد شائعة حول وجود علاقة آثمة بين نجل السيدة المسيحي وامرأة مسلمة.
ودون التطرق إلى التفاصيل المخزية في هذه الواقعة التي تتولى جهات التحقيق الإشراف عليها.. إلا أن هذه الحادثة تضعنا أمام مشهد كارثي.. فبغض النظر عما يتردد من شائعات حول العلاقة الغرامية بين المسيحي والمسلمة أو تحرش المسيحي جنسيًا بالمسلمة.. فإن ما يجب الوقوف أمامه في هذه الواقعة المخزية وبكل حزم حالة الانحطاط القيمي التي تدنت إليها سلوكيات بعض المصريين.. خصوصًا أن الجريمة وقعت في الصعيد الذي عُرف دائمًا بالحفاظ على العادات والتقاليد الاجتماعية.
فمن كان يتصور أن يصل تدهور الأخلاق والمُثل العليا لهذه الدرجة التي يخلع فيها مئات الرجال ثوب الشهامة والمروءة والتوقير للتنكيل بسيدة مُسنة وتجريدها من ثيابها والطواف بها في شوارع القرية.. فأين نخوة الرجال.. وكيف الحال بكل مَن شاهد هذه الجريمة التي وقعت أمام مسمع ومرأى الأهالي دون أن يتحرك لهم ساكن لوقف هذه المهزلة الأخلاقية.
وتفتح هذه الواقعة الإجرامية ملفًا غاية في الخطورة حول غياب منظومة القيم.. فهل يحتاج الشعب المصري إلى تربية جديدة.. وكيف تحدث هذه الواقعة الشاذة على المجتمع المصري ولا نرى تحركات من المسئولين على المستوى المطلوب.
سيقولون لك إننا لا نريد تضخيم الحادثة لأنها “خطأ فردي”.. فكثيرون يرون هذه الأيام أن دفن الرءوس في الرمال وغض البصر عن مثل هذه الجرائم هو الحل الأمثل لتفادي فتنة “وقودها الناس والحجارة” .
إنني ومن موقعي هذا أطالب بأن تقف أجهزة الدولة عن بكرة أبيها على قدم وساق لمحاسبة كل مَن تدنست يداه في هذه الجريمة الغريبة على الشعب المصري قاطبة.. فلا بد أن نضع جميع القوانين والتشريعات التي تضمن عدم تكرار هذه الحادثة دون أي مداراة أو محاولة أن “نكفي على الخبر ماجور” .
وكلي ثقة في عدم تردد القيادة السياسية ممثلة في الرئيس عبدالفتاح السيسي، لتوجيه جميع المسئولين لاتخاذ كل ما يلزم لرد اعتبار هذه السيدة ليس على اعتبار أنها مسيحية وإنما باعتبارها مواطنة مصرية لها كل الحق في الكرامة والاحترام.. وتقديم جميع المتورطين في هذه الجريمة للعدالة الناجزة.. فلا سبيل لبناء مصرنا العزيزة إلا بإقامة العدل في كافة ربوعها.. وربنا يستر.