إبراهيم عيسى يكتب: ماذا سيفعل الإخوان بالجيش؟
Tue, 14-02-2012 – 11:30
من أول السطر
لعلنا أول من طالب بتشكيل الإخوان المسلمين للحكومة بمجرد ضمان أغلبيتهم فى البرلمان، واعتبرها -يومها- أصدقائى من الإخوان المسلمين أنها نكاية منى فى المجلس العسكرى وحكومته ومحاولة للوقيعة منى (كذلك) بينهم وبين «العسكرى». للمفارقة هم الآن قد اقتنعوا متأخرا بتأخرهم عن الحصول على حقهم -وواجب الديمقراطية- فى تشكيل الحكومة، لكن اللافت أنهم يتأرجحون بين الحق والتوجس من أن ممارسة حقهم قد تثير أعصاب وغضب المجلس العسكرى، فيمارس الإخوان ما احترفوه وبرعوا فيه وهو التصريحات المتناقضة والإشارات فى الاتجاهات المضادة والمتناقضة، فهذا ينفى وذاك يؤكد وبين هذا وذاك يتوه اليقين، لكن الثابت هنا أن الإخوان سوف يتركون وزارة الدفاع وكذلك الخارجية للمجلس العسكرى ليقرر شاغليهما. هل سيبقى هذا الوضع طويلا، وهو ابتعاد الإخوان عن وزارة الدفاع.. عن الجيش عموما بجنوده وضباطه وقياداته؟ لو تسأل عن المدى القريب فالإجابة نعم، هناك ترك مؤقت لهذا الملف، لكن لا يعنى هذا عدم انشغال به أو عنه، فالإخوان هم الجماعة الوحيدة فى مصر التى تملك استراتيجية طويلة النفس، وتنظر إلى المستقبل وتضع خططا له ممتدة الأمد وتطبقها بصبر ودأب وحرص وانتظام حتى تتمكن منها تماما، هذه الخطة التى يعدها الإخوان المسلمون وسيشارك فيها قطعا التيار الإسلامى بفروعه المتعددة هى أسلمة المجتمع. للخبرة وللفهم فإننا نعود إلى التجربة الباكستانية فى عهد الجنرال ضياء الحق بعد انقلابه الشهير على ذو الفقار على بوتو وتوليه حكم البلاد، حيث جرت عملية أسلمة الدولة والمجتمع حسب ما يشرح كتاب «جبهة باكستان» للكاتب الباكستانى زاهد حسين، على مستويين. أولا: تم إجراء تغييرات فى النظام القانونى. تم إنشاء محاكم شرعية للنظر فى القضايا بموجب القوانين الإسلامية، وللمرة الأولى، لعبت الحكومة دور جابى الضرائب الدينية. ثانيا: تم الترويج للأسلمة عبر الصحف والراديو، والتليفزيونات، والمساجد. تحركت الحكومة، عبر سلسلة من المراسيم الدينية، نحو أسلمة الخدمة المدنية، والتعليم. لقد كانت هناك مراجعة للكتب المدرسية لضمان نقائها الإسلامى، وتمت إزالة الكتب المخالفة للتعاليم الإسلامية من المناهج ومكتبات الجامعات. لقد كان إلزاميا على الموظفين المدنيين تأدية الصلاة خمس مرات فى اليوم، وتضمنت التقارير السرية عن موظفى الحكومة قسما يتم فيه تسجيل نقاط لتأدية الصلاة بشكل دائم، والمعرفة الجيدة بالإسلام. لكن الأخطر هنا هو أسلمة الجيش؟ مبدئيا تعبير أسلمة لا يعنى أن المجتمع كان كافرا ويعودون به إلى الإسلام (وإن كان هذا هو اقتناع كثير من الجماعات الإسلامية)، ولكن الأسلمة هنا بمعنى تحويل المجتمع إلى اعتناق طريقة الجماعة الإسلامية فى فهم الإسلام وتطبيقه. ماذا فعل ضياء الحق لتحويل الجيش الباكستانى المنضبط عسكريا غير المشغول بالسياسة ولا بالإسلام السياسى إلى جيش إسلامى؟ أولا قام بإدخال التعاليم الإسلامية فى الأكاديمية العسكرية الباكستانية، وأصبحت كلية الحرب والأركان تدرس فى مناهجها الشريعة والفقه وتعاليم ابن تيمية وأبو الأعلى المودودى وغيرهما. وتم إدراج درجة الدكتوراه فى التدريس الدينى لتعليم الضباط حول الإسلام. وأصبحت العلوم الإسلامية أيضا جزءا من اختبارات الترقية. وكان على الضباط قراءة المفهوم القرآنى للحرب، وهو كتاب ألفه عميد فى الجيش الباكستانى من أجل أن يصبح جنود باكستان ليسوا جنودا محترفين وحسب، وإنما جنود الإسلام أيضا. وكتب الجنرال ضياء الحق بنفسه مقدمة الكتاب وقال فيها: «الجندى المحترف فى الجيش الإسلامى، الذى يسعى لتحقيق أهداف الدولة المسلمة، لا يمكن أن يصبح محترفا إذا لم يأخذ بالاعتبار فى كل تصرفاته الله (سبحانه وتعالى)». للحصول على الترقية، كان على الضابط أن يكون مسلما ورعا. كانت تتم تنحية نتائج الضباط المحترفين العلمانيين جانبا لعدم وفائهم بمعايير المسلم الصالح. نتيجة لتلك السياسة وصل الكثير من الضباط المحافظين إلى مستويات قيادة بارزة. كما يحكى زاهد حسين فى كتابه، واخترقت أيديولوجية الإسلام المتشدد الجيش مع انتشار الفكر السياسى الدينى فى معاهد تدريب القوات المسلحة، وأصبحت صلاة الجمعة فى مساجد الأفواج -التى كانت تخضع للحرية الشخصية فى الماضى- إلزامية. تم تعيين أئمة للعمل ضمن القوات المسلحة. كان يفترض بهم أن يكونوا الجسر الذى يصل الضباط بين المهنة الغربية والإيمان. كان مطلوبا من الوحدات العسكرية اصطحاب أئمة غير مقاتلين معهم إلى خط الجبهة. وكان يتم تشجيع الجنود على حضور اجتماعات التبليغ الدينية. كان الهدف من ذلك تلقين الطلبة العسكريين والضباط تفسير التعاليم الإسلامية. ارتقى الكثير من هؤلاء الطلاب لاحقا إلى مراكز قوة، وسيطروا على مواقع حساسة بما فيها المخابرات الحربية هناك. وصار نفوذ جماعة الإسلام فى الجيش جليا، خصوصا بين الضباط من ذوى الخلفيات الريفية وشبه المدنية. كان مستوى تعصبهم الدينى كبيرا، ويحملون وجهات نظر متطرفة نحو الأعداء الخارجيين، والتهديد للإسلام. ارتفع عدد الضباط الذين يطلقون لحاهم لأسباب دينية بشكل ملحوظ! هل سيحدث هذا للجيش مع سنوات حكم الإخوان المسلمين -والتيار السلفى- فى مصر؟ احتفظوا بهذه المقالة فى أدراج مكاتبكم أو فى ملف داخل الكمبيوتر بتاعك، وستعثر عليها بعد سنوات حين تريد أن تتأكد من الإجابة!