إبراهيم عيسى يكتب: هل الحكم للمتدينين؟
Mon, 13-02-2012 – 12:44
من أول السطر
إبراهيم عيسى
هل سيحمينا تديُّن الإخوان والسلفيين من الفشل؟ لا علاقة للكفاءة بالتدين، فالكفاءة علم وعمل واستعداد ومؤهلات لا دخل لها بالصوّام القوّام، طبعا يمكن أن يكون هذا المتدين عاملا كفئًا ومديرا ناجحا، وقد لا يكون إطلاقا. السؤال بمَ سينفعنا تديُّنه لو كان فاشلا؟ فى كتب الشرع تجد إجماعا تقريبا على أن اجتماع القوة والأمانة فى الناس قليل، ولهذا كان عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، يقول: اللهم أشكو إليك جَلَد الفاجر، وعجز الثقة، فالواجب فى كل ولاية، الأصلح بحسبها. فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة، والآخر أعظم قوة، قدم أنفعهما لتلك الولاية وأقلهما ضررا فيها، فيقدم فى إمارة الحرب الرجل القوى الشجاع، وإن كان فيه فجور فيها، على الرجل الضعيف العاجز، وإن كان أمينا. كما سئل الإمام أحمد: عن الرجلين يكونان أميرين فى الغزو، وأحدهما قوى فاجر والآخر صالح ضعيف، مع أيِّهما يغزو؟ فقال: أما الفاجر القوى، فقوته للمسلمين، وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه، وضعفه على المسلمين، فيغزو مع القوى الفاجر. وقد قال النبى -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر». طيب هل يمكن أن يكون المتدين طاغية مستبدا؟ الإجابة تنطق عيانا بيانا فى التاريخ.. هل تعرف الحجّاج بن يوسف الثقفى؟ طبعا تعرف أنه الوزير الطاغية، ماشى، لكن يهمنى أن تعرف كذلك أنه كان ابنا لعالِم لغة ومن معلمى القرآن الكريم ومحفِّظيه، وصار الحجاج طالب علم يتردد على حلقات الصحابة والتابعين، وكان تلميذا مبهرا ثم مدرسا للغة العربية، أو بالدقة الواجبة، عالما لغويا وأستاذا وخبيرا باللغة العربية ودروبها وضروبها كذلك، بل حمل لقب أفصح العرب، بل الثابت أن الحجاج بعلمه ورغبته الحارقة فى خدمة دين الإسلام أسهم بدور فاعل وفعال فى كتابة وتدوين وخط وتنقيط (وضع نقط) المصحف الشريف، وهو عمل جلل وجليل، بل هو العمل الذى يتسع فضله حتى يوم الدين، يوم نلقى الله جميعا -ومعنا وفينا الحجاج- وأى قارئ لكتب تفسير القرآن الكريم له أن يمعن فى قراءة المقدمات التمهيدية لهذه الكتب التى عادة ما تقدم تعريفا ملخصا وخالصا لتفسير القرآن الكريم من حيث نزوله على النبى المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- وجمعه وحفظه وقراءاته وغير ذلك من علوم المصحف الشريف، وسوف نجد اسم الحجاج بن يوسف الثقفى لامعا وحاضرا بقوة فى هذا الجهد الدينى والعلمى الرائع. اقرأ معى فى مقدمة تفسير القرآن (الجامع لأحكام القرآن) للإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصارى القرطبى لتجد مثلا: «وأما شكل المصحف ونقْطُه فروى أن عبد الملك بن مروان أمر به وعمله، فتجرد لذلك الحجاج (تصدى له واشتغل به متفرغًا) وجدَّ فيه (اجتهد فيه) وزاد تحزيبه (اهتمامه وانشغاله وولاؤه لهذا الموضوع) وأمر -وهو والى العراق- الحسن ويحيى بن يَعْمُر بذلك، وألَّف (نشر) إثر ذلك بواسط (مدينة عراقية) كتابا فى القراءات جمع فيه ما روى من اختلاف الناس على ذلك زمانا طويلا….». ثم فى كتاب «المصاحف» لابن الأشعث السجستانى تجد اهتمام الحجاج الواسع بعلوم المصحف وتفاصيلها فى الكتابة والقراءة والتلاوة والإعراب والحروف، بل تجد اسم الحجاج أكثر من مرة فى فهرس الكتاب نفسه عنوانا لباب أو لفصل. بل إن الحجاج جمع -حينا- القُرّاء والحفاظ والكُتّاب للوقوف على عدد حروف القرآن (340740 حرفا) وتحديد عدد أجزاء القرآن وأرباعها وأنصافها، واستغرق العمل أربعة أشهر تحت مشاركة واهتمام ورعاية ودعم وطبقا لتوجيهات الحجاج بن يوسف الثقفى. وسبحان الله هذا الرجل العالم المثقف الحافظ للقرآن الخبير بعلوم القرآن والمؤسس لشكل المصحف القرآنى الذى نقرؤه بين أيدينا.. هو الرجل نفسه الذى سفك الدماء وهدم الكعبة وقمع باسم سلطانه الرَّعيَّة والمواطنين، أخطر وزير داخلية فى الإسلام، وهو مُثبِّت عرش الدولة الأموية وصانع أسس الدولة البوليسية فى التاريخ الإسلامى! هو نفسه المثقف العالم بالقرآن الذى باع علمه وذكاءه للسلطة وللغنى والنفوذ ليصبح أشَرَّ صور عالِم الدين حين يستبدل الذى هو أدنى (النفوذ والفلوس) بالذى هو خير (العلم والضمير)، ويشترى الضلالة بالهدى والدنيا بالآخرة. وهو الطاغية الذى يرفع شعاره «إنى أُنْذِر ثم لا أَنْظُر -ماباشوفش قدامى ساعتها-، وأحذِّر ثم لا أَعْذِر، -مابارحمش بعدها يا حلو- وأتوعد ثم لا أعفو -أفرمه وأقطعه من لغلوغه»!